الخميس، 10 أكتوبر 2013

رحلة علم


تبدأ رحلتى فى طلب العلم أو بمعنى أدق رحلة عذابى فى طلب العلم إبتداءً من نزولى من الطابق الخامس أو السادس لا أذكر على وجة التحديد , و لكن كل ما أذكرة أن أنفاسي تكاد تنقطع قبل وصولى إلى الشارع.
و من ثَم أبدأ فى السير مسافة لا تقل عن .......و لا تزيد عن.......
لا أعرف كم المسافة على وجة التحديد , و لكن كل ما أعرفة أيضاً أن المسافة طويلة جداً و لابد من أنجازها فى وقت ضئيل, و هذا يتطلب لياقةً ًبدنيةً ً عالية و أرجل سريعة أشبعة بعجل السيارات و ركضاً أسرع من ركض عداءً محترف.
و أتمنى لو يكونُ لى جناحين أستطيع أن أطير بهما حتى أصل فى الوقت المناسب.
و أخيراً وصلت........... و من هنا تبدأ رحله عذاب جديدة "ركوب الميكروباص" ماا بين مشاجرات عنيفة ، و مشادات هنا و هناك ، و ترقب و تحفز من قِبل بعض البشر ، و ترصد لأى ميكروباصاً قادم حتى ينقضون عليه و يهجمون علية هجوم الأسد على فريستة.
و أظل أنا أراقب و أجول ببصرى هنا و هناك و أتساءل : ما كل هؤلاء البشر؟ و من أين جاءوا؟ موظفون القطاعات الحكومية و الغير حكومية ، و طلاب المدارس الذين خرجوا مثلى فى طلب العمل بأعمارٍ و أشكالا مختلفة و لكن لا أعلم لماذا أشعر بأن هيئتهم لا تناسب طلب العلم أبداً فالكثير منهم لا تزال علية آثار النعاس و بقايا حلم لم يكتمل.و أضف إليهم أيضاً طلاب الجامعات الذين هم ليسوا أحسن حالاً من مَن سبقوهم. بالأضاف الى أناس آخرين لا أستطيع تحديد فئتهم و أعتقد أنهم يخرجون فى هذا الصباح من أجل مشاهدة الناس و أنتقاد هذا و ذاك .. فهذا متعة عند بعض البشر أو أنة الفراغ .
و فى هذة اللحظة فقط أدرك أن التعداد السكانى هو حقاً مشكلة مفزعة و خطر يداهمنا .
و عندما أفيق من تلك الغيبوبة و أنظر فى ساعتى أجد أنها جاوزت السابعة و النصف و أتيقن بأنى سوف أتأخر لذلك أستجمع قواى و شجاعتى و أقرر النزول إلى أرض المعركة فأظل أترقب كما يترقبون و أترصد كما يترصدون ........ثم........
هجووووووووووووم
و حين تطأ قدماى الميكروباص أكاد لا أصدق نفسي و أشعر أنى أنتصرت و ما أجمل لذة الأنتصار.
ألتفت إلى السائق و أقول له بكل أحترام : "مترو يا أسطى؟" فينظر إلىّ شذراَ و أشمئزازاً و كأنى قد أخطأت فى حقة أو تلفظت بشئٍ مَعيب ثم يجيبنى : " الأجرة جنية و نص" و اللى مش عاجبة ينزل" . فأجيب بأحترامى المعتاد : " خد اللى أنت عاوزة يا أسطى بس أوصل المترو ".
أتنفس الصعداء  و تغمرنى الطمأنينة لفترة وجيزة و أشعر بالرضا عن نفسي لأنى قد أنتصرت فى المعركة و ظفرت بركوب الميكروباص ذو السائق الغريب و الأجرة المبالغ فيها.. كما أشعر بالسعادة لأنى قطعت شوطاً من رحلتى و قاربت الوصول إلى "علبة الكبريت" أقصد "المترو".
حيث أنتهت الآن إحدى رحلات عذابى فى طلب العلم لكى تبدأ رحلة أخرى أشد عذاباً و تنكيلا.
ها قد وصلت إلى المترو.
"المترو" .... وما أدراك ما المترو فهى كلمة يهتز لها قلبى أشفاقاً من هول ما سألقاه.
و لا أدرى حقاً ماذا أقول عنة غير أنة أشبة بعلبة الكبريت التى يكتظ بها عدد لا نهائى من البشر لدرجة توصلنى إلى الشعور بالأختناق من كثرة الأنفاس و قلة الأكسجين.
و حين أقف هناك أشعر و كأنى ألعب "البالية" حيث أقف على قدمٍ واحدة لعدم وجود مكان كافي لوضع القدم الآخرى, و أجد حقيبتى على كتف مَن تجاورنى يميناً و كتبى فى يد مَن تجاورنى يساراً.
و أكثر ما قد يُثير أستفزازك هو صعود الباعة الجائلين فى تلك الزحمة الرهيبة و بين تلك الجثث من البشر و هم يقولون : " أى حاجة بجنية ونص خد لك لعبة لحمادة بجنية و نص"
و لا أعلم كيف يستطيعون السير فى هذا التكدس الرهيب . و أتلقى الضربات يميناً و يساراً و أتلقى الكدمات من هنا و هناك .
" الصبر من عندك يارب"
و كلما تمر محطة أشعر و كأن جبلاً كان يجثم فوق صدرى قد أنزاح. و جل ما  أخشاه فى ذلك الوقت هو المناقشات بين الركاب حول هذا و ذاك , و ما أدراك ما هى المناقشات النسائية فهى أحياناً تنم عن فهم و أدراك و فى الأعم الأغلب تنم عن جهل و غباء , بيد أنى فى كلتا الحالتين أشعر بصداع شديد و أحياناً تنتهى هذة المناقشات إالى الأشتباك بالأيدى.
و أخيرأ جاءت محطتى....... " حمداً لله". أستعد للنزول (بقوة الدفع طبعاً). و تطأ قدماى أرض المحطة و أبدأ فى جمع أشيائي حيث يقذفون لى حقيبتى و أحيانا أخرى أجدها مازالت فى مكانها على كتفى فأحمد الله.
" يااااااااه أخيراً وصلت " !!!
تغمرنى السعادة لهذا الأنجاز الرهيب ثم أذهب لأركب ميكروباصاً آخر , و لا أدرى هل هو ميكروباص ام أنة بقايا ميكروباص . أياً كانت ماهيتة فسوف أركبة فهو السبيل الوحيد لوصولى إلى هدفى . بغض النظر أيضاً عن أنة يسير يتخبط يميناً و يساراً و يقفز لأعلى بسبب المطبات فأشعر أنى فى ملاهى.
الحمد لله...... أنا الان أمام الجامعة , لا أصدق نفسي و لا أعلم كم مضى من الوقت و لكن كل ما أعلمة هو أننى بذلت مجهوداً شاقاً بالقدر الذى جعلنى متعبة و غير مأهلة لأستقبال العلم.
حيث أن داخل الجامعة رحلة عذاب أخرى لا يسعنى الحديث عنها الان.
تمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق